هياط العيد السعيد

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هياط العيد السعيد, اليوم الاثنين 15 أبريل 2024 06:28 صباحاً

علي المطوع*

يُرفع أذان فجر صباح العيد، تقوم الأسر الطيبة بالاستعداد لهذا اليوم العظيم، بيوتهم في حركة دائبة، الجميع يستعد لصلاة الفجر وبعدها صلاة العيد، يفرح أطفالهم بقدوم هذا اليوم السعيد، فجُل ما يفخرون به ويفاخرون من متاع بسيط يكون في هذا اليوم الجميل، طفلة صغيرة تنتظر هذا اليوم بشوق عظيم، كيف لا وهي سترتدي (فستان) العيد، و(جزمته) التي تنسجم ألوانهما لتشكل بانوراما ذلك الجمال الأخاذ، المعجون بفرحة تلك الطفلة البريئة بصباح يوم العيد.

طفل صغير يقوم وهو موعود بيوم العيد وما فيه من لبس جديد، تتم تهيئته ليكون في صورة رجل كامل في هذا اليوم السعيد، يلبس ثيابه ثم يوضع على رأسه تلك الغترة البيضاء ومعها (طاقية) أشد بياضا تمت خياطتهما لتشكلا لبسا تقليديا سعوديا يتواءم مع هذا الشبل الصغير، وليضمن عدم تحرك تلك الأشياء على رأسه، وإن انزاحت يمنة أو يسرة، فمن السهولة إعادتها على رأس ذلك الصغير، كونها كتلة واحدة متماسكة متشابكة، مع فرحة ذاك الطفل الصغير وزهوه بأنه قد أصبح في عداد الرجال الطيبين في يوم العيد.

يذهب رب الأسرة الطيب وبعض أسرته إلى مصلى العيد، وبعد أن يتموا الشعيرة يعودوا إلى منزلهم، لإعلان فرحة العيد من داخله، والجميع سعيد بهذا الجمع كونه يجسد منتهى الحب والرضا بين الجميع.

يتوجه رب الأسرة الطيب لاجتماع أسرته النووية الصغيرة، ثم يتشاركون الذهاب إلى باقي فروع الأسرة، كل حسب ترتيبه في القدر والمكان والمكانة، الجميع يعيد تدوير مشاعره الطيبة، وإظهارها بمنتهى الطلاقة والحب والتقدير، كيف لا وهم يحتفلون بعيد الفطر السعيد.

على الجانب الآخر، وفي صورة أخرى للعيد والمعايدين، صورة ذلك (المهايطي) العتيق، الذي رسخ في وجدانه الهياط ومتلازماته الغريبة.

تصحو أسرته أو بعض أسرته على هديره وإزعاجه، فهذه طريقته وأسلوبه في التعاطي مع الحياة، فهو مجرد ظاهرة صوتية كلامية، تنفجر لحظة الحدث، ولكنه انفجار كلامي لا يسمن ولا يغني من جوع، يقوم وفي تصوره مسرحية هياط قادمة يجب أن تستغل، فالمناسبة مناسبة عيد، والجميع يتسمر انتظارا لمواقفه المرتجلة، البعض تعوّد على هذا الفصل الكلامي وما يتبعه من حضور كوميدي؛ يظهر هذا المهايط فيه وهو صغير في أعين العقلاء كبير مستكبر في عيون من يشاطره الطريقة والشكل والأسلوب.

يذهب هذا( المهايطي) إلى مصلى العيد وهو منتفش بشعور غريب يجعله الأول في نظره القاصر القريب، كونه استأنس بالظواهر الصوتية لتكون نتاجه الذي يصافح به أعين الجميع.

في المسجد يتصنع السمت القويم، فتكبيراته بصوت معدّل ومعتدل أقرب إلى مستوى القرار في طبقته وتوناته، لا يخشع في المسجد فهو يطيل النظر في منافسيه ممن يمتهنون أسلوبه وطريقته، ويبدأ صلاته بالسرحان كيف يفعل وماذا سيفعل بين الجموع المنتظرة يوم العيد؟
تنتهي الخطبة وصاحبنا (المهايطي) على عجلة من أمره، فاليوم يومه المشهود لوضع بصمته في تاريخ مجتمعه وعشيرته الأقربين، تتم مراسم عيده بسرعة كونه يستعد للتظاهرة الكبرى التي يريد استغلالها يوم العيد، سبق ذلك تقديمه كثيرا من الدعوات لبعض معارفه ومن لا يعرف، ليكون موعدهم ليلة العيد لتناول العشاء على شرفهم، كونهم يستحقون اهتمامه وعنايته كما يدعي ويقول!
يتوافد هواة الهياط ومحبو التصوير إلى مجلس هذا (المهايطي) الذي يكون هو في قمة سعادته؛ كونه سيمارس متعته الصوتية في الترحيب والتقديم والتأخير، فالتقديم ومعسول الكلام يكون للغرباء الذين يظهر لهم البشاشة والتقدير والاحترام، أما عشيرته الأقربون فهم مجرد كمالة عدد يحضرون ليشعروا الغرباء أن صاحبنا المهايطي (راعي عزوة) وعمق اجتماعي، كون أقاربه المستضعفون يحضرون في هذا المساء السعيد.

تبدأ الفعاليات، وصاحبنا يخوض غمار الحدث جيئة وذهابا ليشعر الحضور بأنه واثق من نفسه، قادر على لفت نظرهم لمكانه ومكانته وإمكاناته، كل ذلك وهو منتش بحضوره وبحضور ضيوفه الأساسيين الذي يصلون متأخرين، وهنا تبدأ اللحظة الفارقة لهذا (المهايطي) الغارقة في خفته وسخافاته، فيبدأ برفع عقيرته بالترحيب ويمارس سطوته الكلامية البغيضة على أقاربه أمام الجميع؛ بفعل كذا وترك كذا ليظهر للحضور أنه (الكل في الكل) وأن البقية ما هم إلا (كومبارس)؛ حضورهم ما هو إلا لملء الصورة وإكمال فراغاتها.

يعلن عن العشاء ومناسبته، ويبدأ في استغلال تلك المناسبة الفارقة ليقول لها وللجميع: هأنذا أيها الجمع الغفير، (ويا أرض أنهدي ما عليك قدي).

بعد العشاء ومراسمه؛ يبدأ هواة الأكل ومحبو المفطحات بالدعاء للمهايطي بالخلف القريب، وأن يديمه عزا للهياط والمهايطين؛ كيف لا وهو أحد رعاته ورموزه الذين استطاعوا تجيير اللحظات الفارقة لتصبح لحظته وفوارقه التي يعلنها على الملأ، أنني أنا بنفسي وأنتم بي وبدوني لا تكونون ولا تقيلون.

أما عشيرته الأقربون، فيذرفون الدموع على حظهم العاثر مع صاحبهم (المهايطي) الذي لا يقيم لهم وزنا ولا قيمة، ومع ذلك فهم مجبرون على الحضور كونهم ملتزمون بعادات وتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان، ضريبتها شعورهم بالتهميش وقلة التقدير.

يعود المهايطي إلى أسرته، فيكتشف أنه قد قال للجميع كل عام وأنتم بخير، وأنه قد استنفذ كل مشاعره المكنونة مع الآخرين، أما حظ أسرته منه فكان كالعادة؛ وجه غاضب وألفاظ بذيئة وعذاب شديد!

*نقلاً عن: makkahnewspaper.com

alaseery2@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق